تصاعد التوتر الأمني بين إسرائيل و«حزب الله» اللبناني بما يهدد باندلاع حرب جديدة بينهما، بعد إعلان الحزب استشهاد القيادي به سمير القنطار، الذى كان مُعتقلا بإسرائيل لمدة ٢٩ عاما، فى غارة شنها الجيش الإسرائيلي على ريف دمشق.
وشهدت مناطق جنوب لبنان تصعيدا خطيرا بعد أن أطلق مسلحون ٣ صواريخ من طراز «كاتيوشا» على شمال إسرائيل، دون أن تؤدي إلى وقوع أضرار أو إصابات، ورد جيش الاحتلال بإطلاق مدفعية على مواقع فى جنوب لبنان.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، مساء أمس، أنه أطلق قذائف مدفعية على جنوب لبنان ردا على صواريخ كاتيوشا التى أطلقت عبر الحدود على إسرائيل، وأضاف الجيش أنه يحمل الحكومة اللبنانية المسؤولية عن الهجمات التى تنطلق من أراضيها وأنه «سيواصل التصدي لأي محاولة للإضرار بسيادة إسرائيل وأمن مواطنيها»، وحلقت مقاتلات حربية إسرائيلية على جنوب لبنان وشنت غارات وهمية بعد إطلاق ٣ صواريخ من مدينة صور الجنوبية على مناطق فى شمال إسرائيل، ودوت صافرات الإنذار وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه يبحث عن مواقع إطلاقها لاستهدافها.
وأفادت مصادر صحفية فى جنوب لبنان بأن دوريات تابعة للقوة الدولية المؤقتة فى المنطقة (يونيفيل) وأخرى تابعة للجيش اللبناني نفذت انتشارا فى منطقة صور، بهدف تحديد المواقع التى أطلقت منها الصواريخ.
وسبق تصعيد التوتر الأمني بين الجانبين إعلان «حزب الله» فى بيان، أمس، أن «عميد الأسرى اللبنانيين فى السجون الإسرائيلية، الأسير المحرّر، سمير القنطار، استشهد، ليل السبت الماضي، حين غارت ٤ طائرات اسرائيلية على مبنى سكني فى مدينة جرمانا بريف دمشق».
وكان «القنطار» قد أُدين بعقوبة السجن المؤبد عام ١٩٧٩ بإسرائيل، بتهمة قتل 4إسرائيليين، وسُجن ٢٩ عاما، قبل أن يتم إطلاق سراحه عام ٢٠٠٨ فى إطار صفقة تبادل سجناء بين إسرائيل و«حزب الله»، وحتى إطلاق سراحه، كان «القنطار» يُعتبر السجين اللبناني الذى قضى أكبر عدد من الأعوام بسجون إسرائيل.
وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن لدولة إسرائيل حسابا داميا طويلا مع «القنطار»، الذى قالت إنه منذ كان عمره ١٦ عاما قتل إسرائيليين، وخطط لعمليات ضد إسرائيل، لكن الصحيفة أكدت أن أكثر ما كان يميزه هو كونه من أبناء الطائفة الدرزية فى لبنان، ما يعكر صفو علاقة إسرائيل بتلك الطائفة، التى تحظى بمكانة مميزة فى إسرائيل، على حساب العرب والفلسطينيين.
الروس علموا بعملية اغتيال القنطار
رغم أن إسرائيل الرسمية تمتنع عن التعليق على اغتيال عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار، بقصف مبنى تواجد فيه مع آخرين قرب دمشق، إلا أن المحللين الإسرائيليين اعتبروا أن قرار الرد ضد إسرائيل على عملية الاغتيال هذه بأيدي إيران.
وبحسب المحلل العسكري في صحيفة 'يديعوت أحرونوت'، ألكس فيشمان، فإن 'حزب الله رفع رعايته عن القنطار منذ عام'، وأن 'النظام في دمشق نظر إلى استمرار نشاط القنطار في سوريا خطرا على مصالحه، لأنه كان يمكن أن يجر إسرائيل إلى مواجهة مباشرة ضد سوريا'، 'ورغم ذلك استمر القنطار بنشاطه بصورة مستقلة بتوجيه من ضباط حرس الثورة (الإيراني) في دمشق'.
من جانبه، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة 'هآرتس'، عاموس هرئيل، أنه إلى جانب إطلاق صواريخ من لبنان باتجاه الجليل الغربي، أمس، فإن 'تدحرج الأمور من الآن فصاعدا مرتبط بالأساس بموقف إيران'.
واتفق المحللان على أن اغتيال القنطار لا علاقة له برغبة إسرائيل بالانتقام منه على العملية التي نفذها في نهريا في العام 1979، 'رغم أهمية هذا الاعتبار'، وإنما هذه العملية جاءت على خلفية آنية، بادعاء أن القنطار كان يُعدّ لهجوم ضد أهداف إسرائيلية.
وطرح هرئيل سؤالا غريبا، وكتب أن 'أحد الأسئلة التي لا توجد إجابة عليها حاليا، هو من تواجد أيضا، أو كان ينبغي أن يتواجد، في المبنى الذي تم قصفه'.
واعتبر فيشمان أن 'السبب الوحيد الذي يمكن أن يبرر تصفية القنطار في العاصمة السورية، المحمية بمظلة دفاع جوي سورية وفي مركزها صواريخ اس-400، ورادارها الذي يغطي مساحات واسعة من دولة إسرائيل، هو معلومة استخبارية ’مصبوبة من الاسمنت’ حول هجوم على وشك التنفيذ بصورة فورية'.
وأضاف فيشمان أن 'الانتقام في السياسة الأمنية العاقلة ليس سببا مقبولا لاغتيال القنطار. ولو كانت إسرائيل تريد اغتيال القنطار من أجل الانتقام منه، وكي تلمح للإيرانيين وحزب الله أو للأسرى الأمنيين أن العودة إلى الإرهاب بعد تحريرهم في إطار صفقة تبادل، فإن كانت لديها عشرات الفرص للقيام بذلك منذ إطلاق سراحه في العام 2008'.
وتناولت التحليلات الإسرائيلية جانبا آخر لعملية الاغتيال، وعو أن الطيران الحربي الإسرائيلي نفذها رغم الوجود العسكري، الجوي خصوصا، لروسيا في سوريا. ورأى فيشمان أن 'الروس علموا بعملية الاغتيال في الوقت الصحيح، لكن موسكو التزمت الصمت'.
وأشار هرئيل إلى أنه سبق اغتيال القنطار ثلاث غارات إسرائيلية في الأراضي السورية خلال الشهور الماضية، واستهدفت شحنات أسلحة قرب دمشق. واستنتج المحلل من ذلك أنه 'على الرغم من الوجود الروسي في شمال غرب سوريا يقيد حرية العمل الإسرائيلي في المنطقة، إلا أنه ليس عائقا لشن غارات إلى الجنوب من هناك، وحتى قرب دمشق. وهذه رسالة ليست سهلة الاستيعاب بالنسبة للرئيس السوري وشركائه'.