رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قلق جدًا من التطورات الأخيرة في الساحة الفلسطينية، العربية والدولية، وضعه الصحي متردّ ويقود سباقًا مع الزمن لإيجاد خلف مناسب كل ذلك بينما وصل خصمه اللدود محمد دحلان، لقد بدأ بالتقدم نحو المنصب.
ما زال غير واضح بالنسبة لرئيس السلطة الفلسطينية: ما هو مصير المبادرة الفرنسية؟ وهل فعلًا ستعقد لجنة دولية حتى نهاية هذا العام أم سيتم تأجيلها للعام المقبل بسبب معارضة إسرائيل؟ وكيف ستنتهي المعركة على سياسات الاستيطان في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؟، في الوقت نفسه، لقد قطف فقط فاكهة سياسية واحدة في منظمة اليونسكو فيما يتعلق بقرار علاقة الإسلام بالمسجد الأقصى.
لقد فشل عباس الأسبوع الماضي - بجهوده الجبارة - بمنع عقد مؤتمر في مصر حول "المشكلة الفلسطينية ووحدة حركة فتح"، الذي نُظم من قِبل المركز القومي لشؤون الشرق الأوسط. من يقف وراء المؤتمر هو دحلان والاستخبارات المصرية.
عقد المؤتمر في مصر - بمشاركة حوالي 13 شخصية فلسطينية - يعتبر اعترافًا مصريًا رسميًا بدحلان كخليفة منتظر لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية. عباس يشعر أن الأمر يعتبر خطوة خطيرة وبداية تآكل دعم الدول العربية له، فهو يعلم أن تراجع وضعه الصحي سيجعل الدول العربية تتخلى عن دعمها له، خصوصًا في ضوء حقيقة أنه رفض مطلبهم بالتصالح مع دحلان وتحقيق صلح داخلي في حركة فتح تمهيدًا لمصالحة وطنية مع حركة حماس واستئناف المفاوضات مع إسرائيل على أساس مبادرة السلام العربية.
لقد تشتت عباس في البداية بين معسكرين؛ من جانب ولديه طارق وياسر اللذيْن يعارضان بشدة محمد دحلان، جنبًا إلى جنب مع أعضاء في اللجنة المركزية لفتح وعلى رأسهم جبريل الرجوب، ومن جانب آخر "الرباعية العربية" (مصر، الأردن، السعودية، الامارات العربية المتحدة) تضغط عليه للتصالح مع محمد دحلان. مع ذلك فقد اختار المعسكر الأول، وقرر الذهاب حتى النهاية ضد دحلان؛ لذلك قام بصياغة خطة لتقوية موقفه داخل مؤسسات فتح ومنظمة التحرير.
خطة عباس هي تشديد سيطرته في حركة فتح وإبعاد مؤيدي دحلان من المؤسسات مع انعقاد المؤتمر السابع لفتح، وبعد ذلك اجتماع المجلس القومي الفلسطيني من أجل محاولة تقوية مكانته في مؤسسات منظمة التحرير، بعد أن فشلت محاولاته في عقد المجلس الوطني الفلسطيني قبل حوالي عام. وفي نهاية العملية، إجراء انتخابات عامة في الضفة والقطاع. الخطوتان الأخيرتان مرتبطتان بنجاح الخطوة الأولى لعقد المؤتمر السابع لفتح.
المؤتمر السابع لفتح
عباس عين نفسه كرئيس للجنة التحضيرية للمؤتمر السابع لفتح، والمفترض أن يتم به اختيار مؤسسات الحركة (لجنة مركزية ومجلس ثوري) من أجل تنفيذ خطته ثلاثية المراحل. المؤتمر السابع قد يعقد في رام الله في نهاية الشهر القادم بمشاركة 1300 مندوب.
لإسرائيل وحماس قدرة على التأثير على المؤتمر؛ حماس قادرة على منع وصول مندوبي فتح من قطاع غزة لرام الله، وإسرائيل قادرة على عرقلة وصول الممثلين من الشتات الفلسطيني في الخارج، وعلى رأسهم سوريا ولبنان.
عباس مُصر على عقد المؤتمر في أقرب وقت ممكن، والعودة والترشح لمنصب رئيس حركة فتح من أجل أن يمضي قدمًا نحو تنفيذ خطته. كل تهديداته بالاستقالة من المشهد السياسي وإعادة الولاية للشعب الفلسطيني لا أساس لها.
سؤال مهم ليس له أي جواب حاليًا: ماذا سيكون البرنامج السياسي الذي سيتبناه المؤتمر السابع، والذي سيحدد سياسات فتح والسلطة الفلسطينية بكل ما يتعلق بحركة حماس وإسرائيل وكل قواعد اللعبة في السنوات القادمة؟
اللجنة المركزية
حسب مصادر مسؤولة في حركة فتح، عباس ينوي إخراج عدة شخصيات قديمة من اللجنة المركزية لفتح وإدخال شخصيات جديدة. إنه ينوي استبدال الدكتور نبيل شعث والدكتور زكريا الأغا - المسؤوليْن عن قيادة فتح في قطاع غزة - بأحمد حلس (أبو ماهر) وأحمد نصر من أجل محاولة إضعاف مكانة دحلان في قطاع غزة.
المجلس الثوري
عباس ينوي إبعاد دحلان من المجلس الثوري بشكل رسمي وبعض رجاله، وسيحل محلهم أعضاء جدد مخلصين لعباس وهم: أحمد عساف، ناصر أبو بكر، فايز أبو عيطة، منير الجاغوب ومراد السوداني.
لجنة الإقالة
أقام عباس لجنة خاصة تضم عددًا من أعضاء اللجنة المركزية تتابع نشاطات أعضاء حركة فتح المؤيدين لدحلان. اتجاه هذه اللجنة هو تنظيف الحركة من شخصيات دحلان قبيل اجتماع المؤتمر السابع.
لقد أقال عباس من الحركة - بناءً على توصيات اللجنة - في الأسبوع الماضي 4 من نشطاء فتح من منطقة خانيونس بسبب دعمهم لدحلان.
اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني وإجراء انتخابات عامة
فقط لو نجح عباس في تنفيذ خطته بشأن المؤتمر السابع لفتح فسيتم اجتماع المجلس الوطني، ليس سرًا أن عباس يحتاج فترة طويلة لاستبدال أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز مكانته هناك.
المرحلة الثالثة في خطة عباس هي إجراء انتخابات عامة في المناطق. في الوقت الذي نشهد فيه خلافات شديدة بين فتح وحماس؛ فإن هناك قلقًا من فوز حماس في الانتخابات، مما جعل عباس يقوم بإلغاء الانتخابات البلدية قبل شهر. لذلك فهذا ليس منطقًا أن تعقد انتخابات عامة في المستقبل. عباس يحاول ببساطة تقديم نفسه أمام أبناء شعبه كمن يريد أن يقيم نظامًا ديمقراطيًا وشفافًا، ولكن لا أحد في المناطق يصدق ذلك.
تعيينات جديدة في السلك الدبلوماسي بالخارج
نقلت صحيفة "رأي اليوم" في 21 أكتوبر أن عباس ينوي إجراء تعيينات جديدة لأعضاء السفارات الفلسطينية في الخارج، وكذلك من المتوقع تعيين سفراء جديد في مصر والجزائر.
كما ذكرنا آنفًا أن نجاح خطة عباس بتعزيز مكانته مرتبطة بتحقق كلي ودقيق للمرحلة الأولى، وهي انعقاد مؤتمر فتح السابع. ومع ذلك فإن دحلان - الخصم الأكبر لعباس - لا يعتزم تقديم رأسه لرئيس السلطة الفلسطينية على طبق من فضة. في مقابلة اجراها دحلان (20 أكتوبر) لصحيفة "الاستقلال" المقربة من تنظيم الجهاد الإسلامي؛ حذر دحلان أنه سيتخذ كل الوسائل القانونية والوسائل المتاحة من أجل ألا يسمح لعباس بخطف الحركة منه، وأوضح أن رئيس السلطة الفلسطينية غير متورط فقط في معركة معه؛ بل أيضاً في معركة في القيم والمبادئ مع حركة فتح.
دحلان يخطط لعرقلة خطة عباس، وكل الوسائل شرعية بالنسبة إليه، أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية متخوفة من تصفيات سياسية وصراعات عنيفة في المنطقة.
سيطرة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في نهاية الأسبوع على مخيم "بلاطة" للاجئين - الذي يعد أحد التجمعات التي يتمركز فيها مؤيدو دحلان بالضفة - مثال جيد لما هو متوقع أن يحدث في الأسابيع القادمة. قوات الأمن اضطرت للانسحاب من المخيم، بلا اعتقالات، ما نظر إليه الجمهور الفلسطيني على انه هزيمة مدوية. كذلك في مخيم اللاجئين "الأمعري" كان هناك احتجاج عنيف لأنصار دحلان ومواجهات مع داعميه وقوات الأمن التابعة للسلطة.
محمد دحلان بدأ بإشعال المنطقة من أجل محاولة منع عقد مؤتمر فتح السابع، رجاله في الضفة يطلبون وقف إقالتهم من الحركة وإعادة النشطاء الذين تمت إقالتهم وتوحيد الحركة من جديد عن طريق إعادة دحلان لصفوفها.
الصراع ما زال في بدايته، وحسب تقديرات لمسؤولين في فتح فإنه من المتوقع أن تتصاعد الأمور وتصل لمرحلة استئناف ظاهرة التصفيات السياسية.