لا يوجد أدنى شكّ بأنّ الراحل ياسر عرفات، ما زال يقُضّ مضاجع صنّاع القرار في تل أبيب، السابقين والحاليين، على الرغم من مرور 12 عامًا على استشهاده في ظروفٍ غامضةٍ، ويُحاول أركان الدولة العبريّة شيطنة عرفات، مُستخدمين جميع الوسائل، وذلك في إطار الحرب النفسيّة التي تشُنّها إسرائيل على الفلسطينيين، قيادةً وشعبًا. وفي هذا السياق، كشف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق والوزير الأسبق، شاؤول موفاز، عن أنّ الرئيس الفلسطينيّ الراحل، ياسر عرفات، كان قد اتفق مع إيران على منح الحرس الثوريّ الإيرانيّ موطئ قدم في الضفة الغربيّة المحتلّة، كجزءٍ من صفقة السلاح التي أرسلتها الجمهورية الإسلامية إلى قطاع غزة، مع بدايات انتفاضة الأقصى، التي اندلعت في أعقاب زيارة أرئيل شارون الاستفزازيّة إلى المسجد الأقصى المُبارك في أيلول (سبتمبر) من العام 2000، على متن سفينة “كارين إيه”، التي استطاع الجيش الإسرائيليّ السيطرة عليها وهي في طريقها إلى فلسطين.
هذا وقد وردت هذه المعطيات الجديدة في تحقيق أجرته صحيفة “معاريف”، بمناسبة مرور 16 عاماً على عملية “السور الواقي”، وهي العملية التي قام خلالها الجيش الإسرائيليّ بإعادة احتلال الضفّة الغربيّة وفرض الحصار على الرئيس عرفات في المقاطعة برام الله، وكان أرئيل شارون آنذاك رئيسًا للوزراء، في حين كان موفاز، القائد العّام لجيش الاحتلال.
واستندت الصحيفة العبريّة إلى ما أدلى به موفاز، الذي أكّد على أنّ إسرائيل تابعت على مدى أشهر، وطوال النصف الثاني من عام 2001، مساعي عرفات للحصول على وسائل قتالية من إيران، وأنّ الرئيس الفلسطينيّ، بحسب موفاز، قام بإعداد قائمةٍ دقيقةٍ تضمنت أنواعًا مختلفة من السلاح، بما فيه سلاح مضاد للدبابات بوزن يصل إلى 50 طنًا.
وأردف موفاز قائلاً، بحسب الصحيفة العبريّة، إنّه كان في القائمة أيضًا طنّان من المواد المتفجرة، هي الأكثر تطورًا من نوعها في العالم، على حدّ قوله. أما البند الأهّم، فهو ما تضمنه الاتفاق بين إيران وعرفات، والقاضي بمنح الأخير عناصر الحرس الثوريّ موطئ قدم في الضفّة الغربيّة. وأردف رئيس أركان الجيش السابق، قائلاً إنّه بعد إلقاء القبض على السفينة في البحر الأحمر في 3/1/2002، وجّه رئيس الوزراء آنذاك، أرئيل شارون، تعليماته لنقل المادة الاستخبارية الدراماتيكية المتصلة بهذه القضية إلى الإدارة الأمريكيّة، وتحديدًا إلى الرئيس الأمريكيّ آنذاك، جورج دبليو بوش. وفي أعقاب ذلك، سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة وفد برئاسة رئيس دائرة “البحوث في شعبة الاستخبارات العسكريّة” (أمان)، العميد يوسي كوبرفاسر، وهو يحمل كلّ المواد. وبعد يومين قال شارون: القصة لم تتغلغل هناك. حاولنا أنْ نشرح لهم وهم لا يفهمون. البس موفاز بزّةً رسميةً، وتوجّه إلى الولايات المتحدة مع مادة أخرى، الأكثر سرية لدينا في هذه القضية، واروِ لهم كل شيء وأرِهم المادة. بالإضافة إلى ذلك، أكّد موفاز على أنّ شارون طلب منه أنْ يروي للأمريكيين كلّ التفاصيل، وإذا طلبوا المادة الاستخبارية أعطهم إياها.
ولفت كذلك إلى أنّه سأل شارون: لماذا لا تُرسل أحد الوزراء؟، فردّ شارون عليه قائلاً: أنتَ جلست في طائرة البوينغ في غرفة العمليات للسيطرة على السفينة، اروِ لهم كل شيء. ولدى سؤال الصحيفة العبريّة، موفاز، كيف انتهت مهمته والنتائج التي ترتبت عليها، أجاب الأخير بأنّه في خلال أول لقاء لي مع كوندوليزا رايس، مستشارة الرئيس للأمن القومي، أريتها كل المادة، كل المحاضر، وعرضت أمامها الأفلام التي أظهرت كيف أمسكنا بالسفينة. وقد تأثرت جدًا، بحسب تعبيره.
من ثم، تابع موفاز قائلاً: طلبت أنْ أنتظر وتوجهت بالمادة لتقدمها إلى الرئيس جورج بوش. بعد ساعة عادت رايس وقالت إنّهم يطلبون إبقاء المادة لديهم. فاستجبت لطلبها، بناءً على تعليمات شارون. علاوةً على ذلك، أوضح موفاز أنّ المواد التي تمّ تسليمها لواشنطن شكلّت الأساس لتصريح بوش بعد وقت قصير من هذه الحادثة، بأنّه يجب تغيير القيادة الفلسطينية، مشدّدًا على أنّه كان لهذا الأمر تأثير هائل. فقد أدين عرفات، وليس فقط بنظرنا، بل بنظر الأمريكيين أيضًا.
وخلُص موفاز إلى القول إنّه واضحًا وجليًّا لنا ولهم أيضًا أن عرفات زعيم إرهابيّ، على حدّ وصفه. يُشار إلى أنّ وزير الأمن الإسرائيليّ موشيه (بوغي) يعالون أصدر كتابًا جاء تحت عنوان “طريق طويلة قصيرة” قال فيه إنّ عرفات وعلى الرغم من توقيعه على اتفاق أوسلو مع الدولة العبرية في العام 1993، لم يتنازل ولو لمرّةٍ واحدةٍ عن فكرته الأساسية للقضاء على إسرائيل.
ويقول يعالون إنّ عرفات أراد أنْ يؤسس دولة فلسطين على أنقاض دولة إسرائيل، وأنّه كان من أشّد الفلسطينيين تزمتًا ومحافظة على فلسطين، وهو الذي رفع القضية الفلسطينية عاليًا وتمكّن من إقناع الرأي العام العالميّ بعدالة القضية. ويقول يعالون في كتابه أيضًا، إنّه راقب الرئيس عرفات منذ العام 1995، عندما كان رئيسًا لشعبة الاستخبارات العسكرية، وتبيّن له أنّ عرفات تمكّن عن طريق ما أسماها بالألاعيب من التحّول إلى زعيمٍ عربيٍّ مسلمٍ مشهورٍ في العالم، يقود ثورة شعب يرزح تحت نير الاحتلال، كما تمكّن بدهائه الشديد من إقناع الرأي العام العالميّ، بأنّ الشعب الفلسطيني يُمارس المقاومة من أجل التحرير، ويرفض دائمًا الاعتراف بأنّه نفذّ أعمالاً إرهابيّةً.
|