المغرب وفلسطين علاقة أخوية مميزة
بقلم د. عبد الحكيم سليمان وادي
رئيس مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الانسان ومتابعة العدالة الدولية يناقش موضوع: المغرب وفلسطين علاقة أخوية مميزة لقد حظيت قضية فلسطين باهتمام بارز ومتميز لدى الدبلوماسية المغربية منذ القدم, حيث إن المغرب في سلوكه السياسي مع محيطه العربي، توغل في خبايا الهواجس العربية مستحضرا قضية الصراع العربي الإسرائيلي التي تعد من أبرز قضايا الشرق الأوسط ، إن لم تكن هي القضية التي تحظى بالأولوية من حيث الاهتمام سواء على المستوى الدولي و الإقليمي. وإذا كانت الظروف الدولية لعقدي السبعينات والثمانينات في عهد الراحل الملك الحسن الثاني من القرن الماضي قد سمحت للمغرب بأن يوفق في علاقاته العربية بين ضرورات الالتزام القومي العربي ومتطلبات النظام الدولي ومصالحه في المنطقة .فإن الظروف الدولية الجديدة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 لم تعد تسمح له بذلك بسبب الضغوطات على المغرب الشقيق ومحاولة ابتزازه بسبب مواقف بعض المرتزقة من الانفصاليين حول موضوع الصحراء المغربية.إلا أن المملكة المغربية بقيت تدعم القضية الفلسطينية على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف رغم كل العقبات والضغوطات.وتجلي ذلك في عهد الملك الراحل الحسن الثاني وكذلك في عهد الملك محمد السادس حفظة الله ورعاة ونصرة على اعدائة. أولا: في عهد الملك الراحل الحسن الثاني: لقد تميزت بداية الستينات بتوترات في العلاقات المغربية مع بعض الأقطار العربية سواء حول المسألة الموريتانية التي كان من إفرازاتها قطع العلاقات الدبلوماسية مع تونس التي رفضت مساندة المغرب واعترفت بالواقع الموريتاني ، وكذلك مع الجزائر ومصر بسبب النزاع المغربي الجزائري حول الحدود ومساندة مصر للجزائر . ففي ظل هذه الأجواء المتوترة فقد كانت مشاركة الملك الحسن الثاني في مؤتمر القاهرة سنة 1964 فرصة لتنقية الأجواء وتصفية المناخ ، وذلك من خلال اللقاءات التي تمت على هامش المؤتمر . حيث تم اجتماع بين العاهل المغربي والرئيس المصري,ثم انضم إليها الرئيس الجزائري آنذاك المرحوم/ أحمد بنبلة . وكذلك لقاء بين المغرب والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة والرئيس المصري . وقد أسهمت هذه اللقاءات في تحسين العلاقات المغربية مع هذه الأقطار العربية. فقد حاول أول مؤتمر للقمة ينعقد في المغرب بالدار البيضاء في تكريس هذه الروح . والعمل على تطويق النزاعات والخلافات . وكان من أهم قراراته إصدار ميثاق التضامن العربي الذي أستنذ على عدة مبادئ تضبط التعامل بين الأنظمة العربية ، منها العمل على تحقيق التضامن في معالجة القضايا العربية/ العربية خاصة قضية تحرير فلسطين، واحترام سيادة كل الدول العربية ومراعاة النظم السائدة فيها وفقا لدساتيرها وقوانينها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ، ومراعاة قواعد اللجوء السياسي وآدابه . وفقا لمبادئ القانون والعرف الدولي. من هنا يمكن القول إن حرب 1967 قد شكلت لحظة هامة في تفاعل المغرب إيجابيا على الصعيدين الرسمي والشعبي مع النظام العربي الذي شهد ارتجاجا عنيفا تجلت مظاهره الأساسية في الهزيمة العسكرية العربية أمام إسرائيل. وبالأساس هزيمة مصر التي كانت تتطلع لقيادة العالم العربي . ومن خلال انتكاسة المد القومي الذي انكشفت سلبياته وأفلست شعاراته التي بدا واضحا أنها لم تكن تستند إلى أسس صلبة وأرضية ملائمة تدعمها وتخصبها على أرض الواقع . ومن جهة أخرى فإن انطلاقة فتح العاصفة عام 1965 ومن بعدها تحرك المقاومة الفلسطينية التي ستدخل شعاعا من الأمل في النفس العربية بعد معركة الكرامة في الأردن بتاريخ 21 مارس 1968 لتصبح طرفا في النظام العربي والتي فرضت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني بقيادة الرمز الشهيد /ياسر عرفات. إن هذه المستجدات الفلسطينية و العربية ستفجر على المستوى الشعبي المغربي وعيا بارتباط المصير المغربي بالقضية الفلسطينية وبالكفاح العربي العادل من دعم اجل تحرير فلسطين. وعلى المستوي الرسمي في المملكة المغربية، كانت الدبلوماسية المغربية قد ركزت مباشرة بعد حرب 67 اهتمامها على الدعوة إلى البحث عن الصيغ السلمية الملائمة لاسترجاع الأراضي العربية المحتلة ، وتحاشي التورط في الصراعات العربية العربية,وهذا يعود إلي الحنكة السياسية الذي كان يتمتع بها الراحل الملك الحسن الثاني رحمة الله.وسرعان ما تم القفز بسبب افكارة من إطار النظام العربي والجامعة العربية, إلى خطوة ايجابية أخري هي الإطار الإسلامي, الذي سيترجم عمليا مع احتضان المغرب الشقيق,لأول مؤتمر إسلامي للقمة في شتنبر 1969 كرد فعل على إحراق الصهاينة للمسجد الأقصى في القدس عاصمة دولة فلسطين. وقد شكل انعقاد هذا المؤتمر بكل ملابساته وظرفيته نجاحا للدبلوماسية المغربية بحيث توفق في جمع 25 دولة ، وساعد على تجاوز بعض الخلافات التي كانت قائمة بين الدول الإسلامية . ومن بينها الخلاف المغربي الموريتاني ،حيث شكل لقاء الملك الحسن الثاني مع الرئيس الموريتاني المختار ولد دادة مؤشرا على الاعتراف المغربي بالواقع الموريتاني .وأهم من ذلك فإن قبول القمة مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها ممثل وحيد وأساسي للشعب الفلسطيني بقيادة الرمز الخالد ابوعمار, واعتبار ملف الصراع العربي الإسرائيلي بأبعاده المتشابكة "قضية القدس وفلسطين والأراضي العربية " كبند أساسي مستمر في جدول الأعمال سواء كانت الدورة عادية أو استثنائية.مما شكل انتصارا ومكسبا للقضية العربية. لقد وفرت مرحلة ما بعد حرب أكتوبر للدبلوماسية المغربية مناخا وأرضية ملائمة لبلورة طموحاتها المتمثلة في إنعاش مشروع متفتح يزاوج بين الانتماء العربي الإسلامي والتفاعل مع باقي المكونات الدولية .تجلي بشكل ملحوظ في كثافة مؤتمرات القمة التي استضافها المغرب والتي تمخض عن البعض منها نتائج حاسمة فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلي بكل أبعاده . في هذا الإطار فقد جسد مؤتمر الرباط "أكتوبر 1974 قرارات تاريخية تجلت في تكريس دور منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، وكذا التزام الدول العربية بتحرير جميع الأراضي العربية المحتلة .واستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وعدم قبول أية محاولة لتسويات جزئية . وانسجاما مع الموقف العربي فقد فضلت الدبلوماسية المغربية التراجع عن مساندة زيارة الرئيس المصري الراحل انور السادات للقدس ، وما ترتب عنها من توقيع لإتفاقية كامب ديفيد الهزيلة. والإلتزام بالقرارات العربية التي أفضت إلى تعليق عضوية مصر في الجامعة العربية والمغربية.بكون اتفاقية كامب ديفيد تجاهلت مسألتين أساسيتين في مشروع التسوية مع إسرائيل وهما الانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس والاعتراف للشعب الفلسطيني بحق تقرير المصير, لقد كان دور المغرب بارزا في اقناع الأطراف العربية بضرورة وحيوية الإتفاق على سلوك موحد . وذل في ظل أجواء الإنهيار الذي كان يعرفه العرب بفعل الإجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1981. فرغم فشل الجولة الأولى من مؤتمر فاس 1981 بسبب الإختلافات الحادة في إدراك هذه المبادرة فإن ذلك لم ينل من إصرار الدبلوماسية المغربية على تكثيف الاتصالات للحيلولة دون انهيار المبادر السعودية مما سيزيد من تعميق التصدع العربي وشلل الإدارة العربية في مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية وصمت النظام الدولي . وفعلا فقد تسنى لها ذلك مع قبول الأطراف العربية استكمال الجولة الثانية من مؤتمر فاس 1982 بشكل مكن من إيجاد أرضية للتحرك تسهم في وحدة الصف ووضوح الرؤيا تجسدت في مشروع فاس الذي لم يكن في الواقع سوى تبني لمشروع الملك فهد بعد ترتيب جديد لصياغته ، وإقرار جملة من المبادئ لترتيب سلام عادل ودائم بين الفلسطينين و العرب و ما يسمي إسرائيل. ثانيا: في عهد الملك محمد السادس: بدأت معادلة التسوية بين الإسرائيليين والفلسطينيين في عام 1990 تسلك طريق اللاعودة خاصة مع فشل معاهدة كامب ديفيد, واندلاع انتفاضة الأقصى الثانية .حيث تميزت سياسة المغرب الخارجية في تفاعلها مع تطورات القضية الفلسطينية,عبر طابع المساندة والدعم من خلال توظيف الدبلوماسية المغربية من طرف الملك محمد السادس ,في المحافل الدولية وعبر اللقاءات الثنائية الدبلوماسية للدفاع عن القضية الفلسطينية ومتابعة تفاعلاتها عربيا ودوليا . فقد أراد الملك محمد السادس في أول خطاب للعرش أن يؤكد سيره على نهج الملك الراحل الحسن الثاني في التعاطي مع القضية الفلسطينية والقدس الشريف كواجب وطني مقدس،باعتبارها ثابت أساسي من دبلوماسيته ومبادئه الإستراتيجية,وكان التجاوب الأولي والعملي لالتزاماته الداعمة والمساندة للقضية الفلسطينية,هي أن ترأس أشغال المجلس الإداري لوكالة بيت مال القدس بمراكش سنة 2000 .وأما على المستوى الإقليمي والدولي: فقد دفعت التطورات المتلاحقة لزيارة السفاح رئيس الوزراء الاسرائيلى/ شارون للمسجد الأقصى وما خلفته من أحداث دامية إثر الحملة القمعية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، إلى تأكيد الملك محمد السادس في قمة الدوحة الإسلامية 12/7/ 2000على تضامنه والتزامه لمواصلة دعم الشعب الفلسطيني وإلى دعوته المجتمع الدولي إلي تحمل مسؤولية ما يتعرض إليه الشعب الفلسطيني من قمع وقتل وتنكيل، إذ جاء في نص الخطاب "وقد عبرنا عن شجبنا واستنكارنا القوي لهذه الهمجية واللاإنسانية .وقمنا بإجراء اتصالات ومشاورات مع عدد من الإطراف الدولية من أجل أن يتحمل المجتمع الدولي وخاصة القوى العظمى مسؤولية حماية الشعب الفلسطيني الأعزل أمام ما يتعرض له من عدوان وحصار". مؤكدا أنه لا مساومة على مقدساتنا الدينية وأننا سنظل نعمل بكل إمكاناتنا على مواصلة دعم الشعب الفلسطيني لتحقيق مطالبه المشروعة في إقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، حتى يأخذ التاريخ مجراه الطبيعي في هذه المناطق الحساسة من العالم مهد الرسالات السماوية وموطن الحضارات القديمة,وارض الأنبياء, ومسري الرسول علية أفضل السلام. وأمام القمة الثالثة عشرة لحركة عدم الانحياز المنعقدة بكوالالمبور بتاريخ 24/02/2003 دعا أيضا العاهل المغربي الملك محمد السادس حفظة الله,تلك الحركة للوقوف بكل وزنها في وجه التهديد الخطير للسلام العالمي في الشرق الأوسط ؟ الذي يمثله احتلال إسرائيل للأراضي العربية وتماديها في الاعتداء على الشعب الفلسطيني الأعزل مؤكدا على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس.عاصمة العرب والمسلمين. وهكذا واصل العاهل المغربي دعمه للقضية الفلسطينية من خلال المنابر الدولية ، من خلال القمة العربية في شرم الشيخ 01/03/2003 ، كما في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في 23/09/2003 . وكذا من خلال الدورة العاشرة لقمة المؤتمر الإسلامي بيوتراجابا16/10/2003حيث شدد على "ضرورة " الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة . واسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولة المستقلة .مشددا الدعوة إلى المجموعة الدولية لتفعيل خطة للتسوية تمكن الفلسطينيين من استرجاع حقوقهم المشروعة وتلزم إسرائيل بالانسحاب من كافة الاراضي العربية المحتلة مجددا التزامه الثابت واستعداده التام للمساهمة في إيجاد حل عادل ونهائي لهذه القضية.أما على المستوى الثنائي :فقد شكلت القضية الفلسطينية حسب تفاعلاتها الداخلية و الإقليمية والدولية ملفا محوريا في علاقات الملك محمد السادس الثنائية,وكانت ومازالت إحدى الأولويات التي تحظى بإهتمامة.حيث دأب العاهل المغربي في علاقاته التي تجمعه بالرؤساء والملوك ورؤساء المنظمات الدولية على حثهم على التعاون لإيجاد حل ينهي الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين, وللعلم أن المغرب مازال يشرف على العديد من المشاريع التنموية في فلسطين وتحديدا في مدينة القدس المحتلة,حتى لا يتم تهجير الفلسطينيين من هناك,إضافة إلى إشراف المغرب الشقيق على بناء مطار غزة الدولي,وكذلك استضافته سنويا في الجامعات المغربية للطلاب الفلسطينيين في المغرب وتعليمهم مجانا وتقديم المساعدات المالية لهم عبر منحة تقدم شهريا من طرف الملك محمد السادس. وخلاصة القول ان
المغرب ملكا وشعبا وحكومة لايتواني عن دعم وتأييد الشعب الفلسطيني في حقوقه المشروعة وعلى رأسها حق الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس,وللعلم أنة الشعب المغربي كان لة وقفة شجاعة في دعم القضية الفلسطينية على مر التاريخ وقد خرجت العديد من المظاهرات المليونية في المدن المغربية,وتحديدا أثناء الحرب على غزة,ومؤخرا المظاهرات الشعبية من اجل نصرة القدس بتاريخ 1/4/2012 والتي كانت تحت إشراف وتأييد ورعاية الملك محمد السادس حفظة الله ورعاة وأدمة زخرا لفلسطين وللمغرب الشقيق. بقلم: الباحث القانوني د./ عبد الحكيم سليمان وادي رئيس مركز راشيل كوري لمتابعة الفلسطيني لحقوق الانسان ومتابعة العدالة الدولية,المتخصص في الأبحاث القانونية.
|