لقد عرف حقل العلاقات الدولية المعاصرة تطورات متسارعة سواء على مستوى الفاعلين او التفاعلات ، فعلى المستوى الاول شهدت العلاقات الدولية ظهور فاعلين جدد زاحموا الدولة في أدوارها التقليدية ممثلين على الخصوص في المنظمات الدولية ؛الحكومية والغير الحكومية، والشركات المتعددة الجنسيات التي تملك ترسانة اقتصادية كبري تعادل اقتصاد خمسين دولة نامية مثل جنرال ماتورز بل وحتى الافراد ايضا مثل صاحب شركة ميكروسوفت والفيسبوك...الخ. أما على المستوى الثاني فان التفاعلات الدولية أصبحت على درجة من الترابط والتنوع بشكل غير مسبوق ، فالمشاكل الداخلية أصبح لها امتدادات خارجية مثل حقوق الانسان والانتخابات الخ والمشاكل العالمية والجهوية اصبح لها انعكاسات داخلية مثل الازمة الاقتصادية العالمية, كما ان التميز اصبح صعبا بين الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه العلاقات. هذه التغيرات ادت الى ظهور تيار جديد في ادبيات العلاقات الدولية يعتبر ان منطق العولمة يرتب نتائج مهمة وهي: اختفاء الدولة القومية وتجاوز مفهوم السيادة ، واخيرا افول السياسات القومية لتنافيها مع الطبيعة الاندماجية للعولمة، غير ان شيء من ذلك لم يتحقق حتى الان سوي الكلام والطموح. فالدولة وان لم تعد الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية فانها مازالت الفاعل الرئيسي كما ان مفهوم السيادة لازال مستمرا مع بعض التعديلات الطفيفة التي لم تؤثر على السياسات القومية ومن هذا المنطلق فان السياسات الخارجية للدول مازالت تلعب دورا حاسما في تشكيل الصورة للعلاقات الدولية. بناءا على هذه المعطيات فان السياسة الخارجية تبقى هي الاداة الرئيسية لتفاعل الدولة مع محيطها الجهوي والدولي من اجل الحفاظ على وجودها والدفاع عن مصلحتها القومية وبالتالي يمكن تعريفها على أنها نشاط الدولة الموجه نحو الخارج، أي برنامج دولة معينة موجه نحو محيطها الخارجي من اجل تحقيق اهداف محددة وتعبر السياسة الخارجية عن سيرورة عملياتية تنطلق من مجموعة من المحددات موضوعية وذاتية داخلية وخارجية ثابتة ومتغيرة تمر عبر مراحل في صناعتها قبل ان تصبح قابلة للتنفيذ عبر اليات متعددة. فالحديث عن السياسة الخارجية بشكل مطلق لا يعني انها متشابهة بين جميع الدول بل تعني انها مختلفة حسب عدة ظروف اهمها ما كانت الدولة متقدمة ام نامية، فالفئة الاولى تمتلك هامش اكبر لصنع سياستها الخارجية مقارنة مع الدول النامية التي تعترضها عراقيل اضافية يحددها البعض، في ثلاث قضايا وهي معضلة المساعدة / الاستقلال اي المفاضلة بين المساعدات الاجنبية المشروطة والحفاظ على الاستقلال القومي، معضلة الموارد اي الاهداف (ضرورة اخد محدودية القدرة بعين الاعتبار) ، واخيرا معضلة الامن / التنمية اي المفاضلة في الاولوية بين الجانبين العسكري والامني والاقتصادي والاجتماعي. وفلسطين باعتبارها مازالت سلطة لم تصل للحكم الذاتي اي في طريقها لتكون دولة نامية حتما في المستقبل، فانها تعاني من الاكراهات السابقة الذكر في سياستها الخارجية الهلامية الغيرواضحة المعالم في الكثير من الاحيان بسبب عدوم وجود استراتيجية عمل دبلوماسي موحدة وثابتة توافق عليها كافة الفصائل الوطنية الفاعلة في الجانب السياسي وان تكون مدعومة برقابة البرلمان الفلسطيني الذي مازال معطلا,واضافة الى اكراهات داخلية معروفة بمصطلح الانقسام الاسود بين غزة والضفة او بالاحري بين فريقين هما الاصفر والاخضر,وبين اكراهات خارجية اخرى تسمي المساعدات الاقتصادية والمالية من صندوق النقد الدولي والدول المانحة ...الخ, لكنها بالمقابل تملك بعض المقومات التي تشكل دعامة سياسية لهذه السياسة الفلسطينية وعلى راسها الموقع الجغرافي الذي جعل منها دولة فلسطينية عربية محتلة متعددة الابعاد, فهي تقع في وسط قلب الوطن العربي النابض الشيء الذي جعلها بوتقة الحضارة العربية والاسلامية والقضية المركزية والاساسية والسياسية للجامعة العربية وللمجتمع الدولي وتحديدا مجلس الامن والامم المتحدة التى تتحمل مسؤلية استمرار معاناه الفلسطينين. فالتفاعل الفلسطيني مع الدائرة العربية الميحطة بة،يشكل اضافة الى وحدة الانتماء الجغرافي العربي, فهو يعد نتيجة صيرورة تاريخية مشتركة في الجغرافيا واللغة والتاريخ,قد لعب فيه الدين الاسلامي دورا كبيرا ، تعزز بمرحلة النضال المشترك ضد الاستعمار وتوج بوحدة المصير في ظل تشابه المعطيات الحديثة متمتلة في تحديات مختلفة(سياسية, اقتصادية, اجتماعية) التي تفرضها ظاهرة العولمة وقد ارتبط تاريخ فلسطين منذ بداية الفتوحات الاسلامية على يد صلاح الدين الايبوبي الذي فتح ابواب القدس وماقبلها بصفتها ارض الانبياء ومسري الرسول محمد صلى الله علي وسلم واولى القبلتين ...الخ,وقد تولد عن هذا التواصل عبر انفتاح كبير للشعب الفلسطيني مع الاخرين, نجم عنه علاقات وطيدة طبعها الجانب السياسي والانساني والاخلاقي بسبب عدوان الاحتلال الاسرائيلي على ارض فلسطين منذ 1948 ومن هنا يمكن القول بان نمط السياسة الخارجية الفلسطينية الذي تتبناه اتجاه دولة او مجموعة دول اخرى,لابد وان يتجدد بالضرورة عبر مجموعة من المعطيات الذاتية والموضوعية التي تشكل متغيرات مستقلة تتفاعل فيما بينها في اطار متغير وسيط يتمثل في عملية صنع القرار الخارجي ليشكل نمط معين من سياستها الخارجية بناءا على مصلحة ومصير الشعب الفلسطيني وضرورة تقرير مصيرة. ان السياسة الخارجية الفلسطينية اتجاه المجتمع الدولي وقبلة العربي,لاتشكل اى اسثتناءا في هذا الاطار مع الاسف الشديد,لانها لاتملك استراتيجية عمل دبلوماسي بعيد المدى,بل تعتمد سياسة العشوائيات واللهث وراء الحدث وكل جديد بدون التريث والتدقيق,ومنها الكثير مثل خارطة الطريق ووايريفر وغيرهما...الخ, حيث تبدو ملامح السياسية الخارجية الفلسطينية الاستراتيجية غير واضحة ,بل لايوجد لها لانها تعتمد سياسة المرحل وطريقة مشئ السلحفاء.ويمكن لاي مفاوضات فلسطينية اسرائيلية او امريكية فلسطينية, ان تستمر لسنوات عديدة بدون تحديد اجل وموعدا لها,او بدون اى فائدة,ورغم السياسة كقاعدة عامة وتغيراتها المكسبية بسبب تعقيد عملية السلام المتوفية اصلا في مصنعها ,وبسبب تعدد محدداتها و اختلاف وزن اطراف الصراع لكل واحد منها٬ويقيننا المطلق ان امريكيا تعمل على ادارة الصراع وليس على حلة,فان السياسة الخارجية الفلسطينية تحكمة محددات متعددة,و التي تعتبر في الأساس هي تلك المعطيات التي تتوفر عليها السلطة الوكنية الفلسطينية محدودة الصلاحيات وليس الدولة الفلسطينية المستقبلية المرتبطة بتكوينها الذاتي المستقل المتمع بسيادتة وعدم تبعيتة,حيث ان تلك المحددات المتعددة لم تنشا نتيجة التفاعل مع وحدات دولية أخرى وهي تنقسم إلى معطيات׃طبيعية،ثقافية اقتصادية،سياسية....الخ وفي الختام يمكن لنا القول ان تلك المحددات العربية والدينية والجغرافية والتاريخية,اضافة للمحددات الاقتصادية والسياسية الخاصة بالسياسة الخارجية الفلسطينية اتجاه العالم لابد لها وان تدخل في خطة العمل الدبلوماسي ضمن العمق الاستراتيجي,الذي يفرضة الفاعلون في المجتمع الدولي والتي مازالت الدولة تلعب فية الدور الاساسي كفاعل رئيسي جنبا الى جنب مع المنظمات الحكومية والغير حكومية لتكون قادرة على تحقيق المستوي المطلوب من تلك السياسة الخارجية,دون المساس بالمقدسات او الخطوت الحمراء او الانزلاق في مستنقعات المفاوضات الازلية,بعيدا عن رفع سقف الطموحات الفلسطيني,حتى لا تقع الكارثة وتحصل الصدمة اذا ماحققت مكاسب انية,وعلية فان دخول حقل العلاقات الدولية ليس بالامر السهل او الهين بسبب تنوع الفاعلين فية,اضافة للمحدات سابقة الذكر,مع العلم ان مؤسسات المجتمع الدولي ليست خالية من تاثير القوى العظمى,وهى ليست محايدة تماما,وعلية فان اى توجة الى الامم المتحدة او الى جهازها المركزي مجلس الامن,لابد وان تكون لها دراسة معمقة تعتمد عليها الخارجية الفلسطينية من خلال استراتيجية وليس تكتيك عفوي,لاسيما وان القانون الدولي يختلف تماما عن العلاقات الدولية التى غالبا ماتكون مبنية على نظام قاعدة المجاملات المتبادلة.مع ضرورة التعلم والاستفادة من الاخطاء الدبلوماسية السابقة في السياسة الفلسطينية,وعدم تكرارها,حيث شكلت في مضمونها هزيمة وخسارة للسياسة الخارجية الفلسطينية من خلال عدم استغلال العديد من المواقف والاحداث التاريخية الفاصلة.والامثلة كثيرة ومنها على سبيل المثال وليس الحصر,عدم استغلال قرار محكمة العدل الدولية الصادر حول عدم شرعية بناء جدار الفصل العنصري في فلسطين وعد ماستغلالة اعلاميا ودوليا,اضافة الى احداث مجزرة جنين(ابوجندل) والحرب الاخيرة على غزة وسياسة الاغتيالات...الخ من احداث تدخل في صميم العمل الدبلوماسي الفلسطيني في الساحة الدولية. بقلم: د.عبد الحكيم سليمان وادي رئيس مركز راشيل كوري الفلسطيني لحقوق الانسان ومتابعة العدالة الدولية والمتخصص في الابحاث القانونية. النرويج—بيرجن الموافق.21.04.2012
|